كثيرة هي الأوقات التي مرّت بها قافلة حياتي دون أن تتوقف ولو للحظات, بدون أية أحداث أو أية إنجازات, مخلّفة ورائها بئرا فارغاً جافاّ لم يعرف طعم الرطوبة حتى تحت المطر
و ما أكثر تلك الساعات التي مرّت علي تدوسني كما الجِمال المحمّلة تسير في الصحراء, دائما ما تترك ورائها ندوباً تحكي قصص الفراغ الذي بات يأكلني كما النار في الهشيم, طويلة كشتاء روسي قارص تحجب سماؤه ضوء النهار , بصيص الأمل, و تتلاشى في أفقه جميع الأحلام و تتجمد تحت ثلوجه كل القناعات بمواصلة النضال و كل الرغبة بالاستمرار و تبدأ معها هلوسات البحث عن سرّ الوجود...
هكذا كانت حالي قبلك أيتها الغالية, تائها بين مدن الغربة و الشقاء و الرتّابة, أرمي في كل طريق منها جزءا من روحي هاجراً كل أحلام المراهقة الغضّة كزوج سكّير, تاركاً على أرصفتها كل مفاتيح سعادتي الصدِئة...
قبلك كنتُ حجراً مستقرا بهدوء في قاع مستنقع الروتين, و معك أنا مذنّبٌ لا يُمكن تقييده بمدار, قبلك كان الوقت خِنجراً مسلّطا على القلب, يطعن في ثانية و يوسّع الجرح في أخرى, و معك يمر الوقت مرور نسيم الربيع بسنابل القمح الحُبلى بالأمنيات الوردية و عذوبة المطر, و وداعة الطفولة...
قبلك كانت تتمايز أمامي كل النساء, لكل امرأة لون خاص, و رائحة خاصة,و طريقة حب خاصة,و معك كل النساء سواءٌ في كفّتي ميزان, و ما الميزان إلا أنتِ...قبلك كنت أنهض كل يوم من تابوت الظلام, أقضي طول الصباح أنفض عني رماد الحرائق التي كانت تلتهم ذاتي المُشبعة بالأنين كل ليلة, و معك أنهض كل صباح لأحيك من بنفسج عينيكِ طوق نجاة و أرسم حروف اسمك بألوان قوس قزح على جدران أيامي القادمة...و أعلن أمام كل جمهور مسرحياتي السابقة أنني نقلت مسرحي الجديد إلى القمر, و ليس أي قمر..و لأنني لطالما أحببت الغناء, سأبدأ من الآن فصاعدا بالغناء و ليس بأية كلمات, لغتي الجديدة هي "إني أحبك.."..أكررها مرّاتٍ و مرّات في محراب عينيكِ, أحوّلها فراشاتٍ متوقدّة لا تخشى الشمس, و أطيرها في فضاء فؤادي الذي اتّسع ليحتوي فيضان الثورة في حبّك..متمسّكا بخيوطها جميعا كأنها الطائرات الورقية لنرسم معا نجوما على طريقتنا و أقمارا على طريقتنا و طرقاً جديدة في العِشق لم تكن معهودة من قبل, "أغنياتي الجديدة" كلها بعنوان "إني أحبك"..كل مقاطعها "إني أحبك.." سأجعلها أسماكاً ملوّنة تسبح في محيطات شراييني, سأجعلها فنجان قهوتي الصباحي و فيروزي الجديدة و سيجارتي الأولى...سأحفرها على كفّي خطوطاً من نار, يستنير بضوئها كل باحث عن الحقيقة, و أطرّز بها أجنحتي التي نبتت لي من بعدك و صارت تأخذني كل يوم في رحلة بين النجوم...
"إني أحبك"...هي ملحمتي الجديدة التي سأخوضها برأس مرفوع, و بشجاعة قائد روماني خبير و حكمة شيخ يوناني يقطّر سنيناً من الفلسفة...هي حربي القادمة على طواحين الهواء و مقابر التشرّد و جيوش الخوف...
"إني أحبك"..هي طريقتي الجديدة في الحياة,و أسلوبي المتحضّر في إتقان لغة الطيور و الإبحار في مدارات اللاشرعية...و الخروج عن المألوف و التفكير خارج إطار المسموح و أعمق من سراديب قصور الجهل و التّبعيّة...
هي صندوق أدواتي الجديد لنقش اسمك على كل أشجار العالم و رسم ابتسامتك على كل نسمات الربيع المهاجرة و تسجيل صوت ضحكتكِ الخرافي في كل وادي...
هي قدرتي الجديدة على تفسير براءة الطفولة و كشف أسرار الجمال في الموسيقى و صوت حفيف أوراق الشجر و خرير الجداول...
هي الآن وصفتي السحرية لمداواة كل الجروح التي تسببت بها مخالب ذئاب الوهم و الخيال التي كانت تقتصّ مني في كل مرة كنت فيها أفشل في أن أثبت أن المستحيل الرابع ليس بمستحيل..أنّك أنثى موجودة و حقيقية, ليس فقط في خيالي و أحلامي أو أنك فقط مخطوطة بأقلام الأدباء أو تسكنين صفحات التاريخ الأسطوري,لا, بل أنتِ حقيقية كوجود الهواء, واضحة كضوء النهار,حيّة كأمل سجين بالحرية, تسري في عروقك دماء الملائكة و تنهل من عينيكِ جنيّات المساء طاقتها على تحقق أماني الأطفال قبل النوم.
أعرف أيتها الغالية أنك الحلقة المفقودة من سلسلة حياتي, والتي لن يرضوا مقايضتها و لو بكل الحلقات الأخرى..و أبقى أحبكِ...
أعرف أنك الحل البديهي للغز وجودي, و أنهم سيحاولون طمس هذه الحقيقة بأنامل الحقد المتأزم في دِمائهم كما السرطان..و أبقى أحبكِ...
و أعرف تماما أنك حبل الأمل الذي تحطّ عليه كل عصافير جنوني و عقلانيتي و سعادتي و شقائي و مواجهتي و هروبي و لكنهم صنعوا مقصّا من المحرّمات و نسجوا أكفاناً للعصافير من خيوط الاختلاف و سيدمرون بكل شراسة لا تُغتفر هدية الله إلي ويكفرون بشرعيتها....و أبقى أحبكِ...
أيتها الغالية....لقد قبِلتُ على نفسي مذلّة فرقاكِ مقابل حرية اختياري...و ألم فقدانك مقابل نشوة العثور عليكِ...
و سيبقى زهر عمري يرتوي من دموعكِ الطاهرة شامخا على صوّان أدمغتهم و آذانهم طالما أشرقت شمس مبشّرة بغدٍ جديد...
و إني أحبك...